فؤاد المبزع
شيّعت تونس، يوم الأربعاء، الرئيس الأسبق فؤاد المبزع، الذي رحل عن عمر ناهز 91 عامًا، تاركًا وراءه سجلًا سياسيًا حافلًا امتد لعقود، تخللته أدوار محورية في مفاصل الدولة، وأبرزها قيادته للبلاد في لحظة من أدق لحظات تاريخها الحديث بعد الثورة.
ولد فؤاد المبزع في العاصمة تونس، ونشأ في بيئة سياسية وثقافية أهلته مبكرًا لدخول دهاليز السلطة، ومع صعود الدولة الوطنية بعد الاستقلال، كان من الكفاءات التي راهن عليها النظام لبناء مؤسسات حديثة، فأسندت إليه مناصب وزارية متعددة، بدءًا من وزارة الشباب والرياضة، مرورًا بوزارة الخارجية، وصولًا إلى وزارة الصحة، في فترات متقطعة بين الستينات والثمانينات.
مع انتقال المشهد السياسي إلى عهد الرئيس زين العابدين بن علي، عاد نجم المبزع ليبرز مجددًا، لكن هذه المرة من بوابة البرلمان، حيث ترأس مجلس النواب لمدة تجاوزت العقد، من 1997 حتى سقوط النظام في 2011، وفي تلك المرحلة، كان يعتبر أحد أبرز رجال الدولة الذين حافظوا على توازن نسبي داخل منظومة الحكم، دون أن يكون من الوجوه الصدامية أو المتصدرة إعلاميًا.
في 14 يناير 2011، ومع انهيار نظام بن علي وهروبه المفاجئ خارج البلاد، وجدت تونس نفسها بلا رئيس. وفي ظل الفراغ الدستوري، تولى المبزع، بصفته رئيسًا لمجلس النواب حينها، مهام الرئاسة المؤقتة، ليصبح رجل المرحلة الانتقالية، مكلفًا بتسيير شؤون الدولة في أكثر الفترات اضطرابًا.
استمرت ولايته المؤقتة حتى نهاية 2011، حيث أشرف على لحظة تأسيسية جديدة للدولة التونسية، وشهدت ولايته تحولات دستورية وسياسية كبرى، تمهيدًا لانتخاب مجلس تأسيسي وصياغة دستور جديد.
ينقسم التونسيون في تقييمهم لدور المبزع؛ فبينما يرى البعض أنه كان مجرد امتداد للنظام السابق، يراه آخرون شخصية توافقيّة جنّبت البلاد الفوضى، ولعبت دور صمام الأمان في وقت كان فيه كل شيء قابلًا للانفجار، وقد احتفظ بمكانته كمرجع سياسي حتى بعد خروجه من الحياة العامة، دون أن يورّط نفسه في صراعات الأحزاب أو الاستقطاب الذي ضرب البلاد لاحقًا.
برحيل فؤاد المبزع، تطوي تونس صفحة أحد أقدم رجالات الدولة، ممن عايشوا التحولات الكبرى منذ مرحلة الاستقلال وحتى ما بعد الثورة، لم يكن زعيمًا شعبيًا ولا قائدًا كاريزميًا، لكنه كان، بالنسبة للكثيرين، رجل الدولة الذي عرف متى يتقدم ومتى يتوارى.
توفي فؤاد المبزع بعد معاناة مع تدهور حالته الصحية في الأشهر الأخيرة، نتيجة مضاعفات الشيخوخة وأمراض مزمنة أرهقت جسده في سنواته الأخيرة، ورغم ابتعاده التام عن الحياة العامة منذ أكثر من عقد، بقي اسمه حاضرًا في الذاكرة السياسية لتونس، حيث نعته رئاسة الجمهورية وعدد من الشخصيات الوطنية باعتباره أحد رجالات الدولة الذين خدموا بلادهم في فترات دقيقة من تاريخها.